عُدْ إلينا أيُّها الأميرُ
 


 
عُدْ إلينا أيُّها الأميرُ

 

مرّت سِتٌّ وأربعون سنةً على رحيلكَ، ولم تَعُدْ بعْد.

ما الذي مازال يُغضِبُكَ مِنّا أيّها الأمير؟

أُقْسِمُ لكَ أنّنا لمْ نتواطأْ يوماً مع الفرنسيّين ولا الإسبانيّين ضِدّك، ولا مرّةً حرّضْنا المخزنَ عليك...لأننا لم نكُنْ موجودين لمّا تَمَّ التواطؤُ وكان التّحريض.

لقد مات كلُّ الذين أساؤوا إليكَ هنا، وبَقِينا نحنُ. نحن الذين نَفْتَقِدُ رجلاً عظيماُ مثلَك يُعيدُ للرّيف عُنفوانَه، ويُنبِّهُنا إلى أنّ جبالَ الرّيفِ ليستْ مجرَّدَ أرضٍ للحَشيشِ الذي يُطفئُ العزيمةَ، بل هي أرضُ الغضبِ الذي يُشعلُ الثّورات.

عُدْ إلينا أيّها الأمير، لو تدري كَمِ الرّيفُ يشتاقُ إليكَ، كم تَتَلَّهَفُ إليكَ تُرْبَتُهُ التي ابْتَلَّتْ بدمائكَ. لقد كُنتَ دوماً القائدَ والزَّعيمَ. نُريدكَ أنْ تعودَ إليْنا كي يَفِرَّ تُجّارُ المُخدّراتِ إلى جُحُورهم ويَخْجَلوا، ليَحْزِمَ المُنتفعون بالجنسيةِ الاسبانيةِ حقائبَهم ويرحلوا، ليقودَ الجِيلَ الجديدَ ظلُّكَ المخلصُ للرّيف، المُتوحِّدُ بأبناءِ الرِّيف. أبنائِه الذين خرجوا هذه الأيامَ في مظاهراتٍ بِها يتنازعون فيما بينهم مَنْ هيَ الجماعةُ الأجدرُ بِـ "عمالة". عُدْ إليهم لَعلّهم يُوحّدون جماعاتِهم وأصواتَهم وهتافاتِهم خلْفَك من أجل الأهم؛ من أجل حكومةٍ محليةٍ حقيقيةٍ لا يقودُها عبّاسٌ آخر.

لقد تغير كلُّ شيء أيّها الأمير. ما عُدْتَ أنتَ في حاجةٍ إلى جمهوريةٍ بين الجبالِ كي تمنحَ الكرامةَ لأبناءِ الرّيف، ولا عُدْنَا نحنُ في حاجةٍ إلى دعوةٍ انفصاليةٍ من الشّمال تُوَسِّعُ جُرحَنا الغائرَ في الجنوب...ففي الأفْقِ تعديلٌ للدّستور، سيمنَحُ للمغاربةِ الصّحراويّين حُكماً ذاتيّاً موسعاً تحت سيادةِ الوطنِ الواحد. ولا شيءَ يَمْنَعُ ذاتَ الدّستورِ من أنْ يمنحَ للمغاربة الرّيفيين ذاتَ الحُكم. فنحن جميعاً في النهايةِ مَغاربة.

لقد تَغيّرنا وتغيّر العالمُ من حولنا.

لم تعد إسبانيا دولةً مُعادِية. صحيحٌ أنّها مازالتْ تُهينُنَا باحتلالِ سبتة ومليلية، وتُهينُنا بِمَدّ رِجْلَيْها على صخرة ليلى، وتُهينُ أبناءَنا وبناتنا في حقولِها ومواخيرها، وتُهين طماطمَنا وأسماكَنا وثقافتَنا، وتسخرُ من وزيرنا الأول...لكنّنا نَبْلَعُ المَهاناتِ ونبتسمُ ضريبةً لِحُسنِ الجوار. لقد تغيّر العالمُ من حَولنا وتغيَّرنا أيُّها الأمير.

فَعُدْ إلينا كيْ لا ننسى يوماً معنى الكرامةِ وَنَحْنُ ننحني لِجنْي التُّوتِ والأورو بالأندلس.

نُريدُكَ أنْ تعودَ إلينا، لعلَّكَ تُذكِّرُنا بأنّ اسبانيا التي تُزايدُ علينا في صحرائنا هي التي قَصَفَتْنَا ذاتَ حربٍ بالأسلحة المُحَرّمة ولم تعتذرْ بَعْد. هل نحنُ رَخيصُون إلى هذه الدّرجة؟

عُدْ إلينا أيها الأمير، ليس الرّيفُ وحدَه مَنْ له الحقُّ في عِناقِك، كلُّ البلادِ لها نفسُ الحقّ. فحينَ كنتَ تصنعُ في جبالِ الرِّيف ملحمةَ "أنوال"، فقد كُنتَ تصنعُ النّصرَ لنا جميعاً من طنجة إلى أبعد من الكويرة بكثير. لأَنّكَ أنت المتعدّدُ في الجسدِ الواحد، أنتَ المغربيُّ المسلمُ الريفيُّ الأمازيغيُّ العربيُّ... وما شئتَ من أسماءِ هُوِيَّةٍ ظلَلْتَ تَحمِلُها حتّى في مَنْفاكَ.

صَدّقْني أيُّها الأميرُ، حُضورُكَ سيجعلُ جبالَ الريف ترفعُ رأسَها ثانيةً، وسيجعلُ العالمَ يُدرِكُ بأنّنا جَديرون بعظمائِنا وأبطالِنا...فَــ واللهِ إنّ المغربَ أحَقُّ مِن مصرَ باحتضانِ جثمانِك.

عُدْ إلينا أيها الأمير، كفاكَ بُعداً...كم اشتاقتْ إليكَ البلاد.

منير باهي

 

23/02/2009

mounirbahi@hotmail.co

 

 

 
   
 
Ce site web a été créé gratuitement avec Ma-page.fr. Tu veux aussi ton propre site web ?
S'inscrire gratuitement