الخطاب الذي أذاعه الخـطابي 1951م
 


 
الخطاب الذي أذاعه الخطابي رئيس مكتب تحرير المغرب العربي...



وفي هذا الوقت الذي تعمل فيه الشعوب على تأمين مستقبلها وتتطلع أقطاب المغرب الكبير إلى استرجاع استقلالها المغصوب وحريّتها المضاعة يتحتم على جميع زعماء المغرب أن يتّحدوا ، وعلى كافة الأحزاب الاستقلاليّة أن تتآلف وتتساند ، إذ أن هذا هو الطريق الوحيد الذي سيوصلنا إلى تحقيق غاياتنا وإدراك أمانينا .

وإذا كانت الدول الاستعماريّة على باطلها تحتاج إلى التساند والتعاضد لتثبيت سيطرتها الاستعماريّة، فنحن أحوج إلى الاتّحاد وأحق به من أجل إحقاق الحق وتقويض أركان الاستعمار الغاشم الذي كان نكبة علينا ، ففرق كلمتنا ، وجزّأ بلادنا ، وابتزّ خيراتنا ، واستحوز على مقاليد أمورنا ، ووقف حجر عثرة في سبيل تقدمنا ورقيّنا ، ثم حاول بكل الوسائل أن يقضي على جميع مقوماتنا كأمة مسلمة .

ويسرّني أن أعلن أن جميع الذين خابرتهم في هذا الموضوع من رؤساء الأحزاب المغربيّة ومندوبيها بالقاهرة قد أظهروا اقتناعهم بهذه الدعوة واستجابتهم لتحقيقها وإيمانهم بفائدتها في تقوية الجهود ، وتحقيق الاستقلال المنشود .

ولقد كانت الفترة التي قطعناها في الدعوة للائتلاف خيراً وبركة على البلاد فاتّفقت مع الرؤساء ومندوبي الأحزاب الذين خابرتهم على تكوين (لجنة تحرير المغرب العربيّ) من سائر الأحزاب الاستقلاليّة في كل من تونس والجزائر ومراكش على أساس مبادىء الميثاق التالي :

آ- المغرب العربيّ بالإسلام كان ، وللإسلام عاش ، وعلى الإسلام سيسير في حياته المستقبليّة .

ب- المغرب جزء لا يتجزّأ من بلاد العروبة ، وتعاونه في دائرة الجامعة العربيّة على قدم المساواة مع بقية الأقطار العربيّة أمر طبيعي ولازم .

جـ- الاستقلال المأمول للمغرب العربيّ هو الاستقلال التام لكافة أقطاره الثلاثة (تونس والجزائر ومراكش) .

د- لا غاية يسعى إليها قبل الاستقلال .

هـ- لا مفاوضة مع المستعمر في الجزئيّات ضمن النظام الحاضر .

و- لا مفاوضة إلا بعد إعلان الاستقلال .

ز- للأحزاب الأعضاء في (لجنة تحرير المغرب العربيّ) أن تدخل في مخابرات مع ممثلي الحكومة الفرنسيّّة والإسبانيّّة على شرط أن تطلع اللجنة على سير مراحل هذه المخابرات أولاً بأول .

حـ- حصول قطر من الأقطار الثلاثة على استقلاله التام لا يسقط عن اللجنة واجبها في مواصلة الكفاح لتحرير البقيّة .

هذا هو الميثاق الذي قطعناه على أنفسنا العهد بالسير على ضوئه، والعمل بمقتضى مبادئه ، وقد وافقت عليه أنا وشقيقي محمد ، كما وافق عليه رؤساء الأحزاب المغربية التالية ومندوبوها :

- الحزب الحرّ الدستوري التونسيّ القديم .

- الحزب الحرّ الدستوري التونسيّ الجديد .

- حزب الشعب الجزائريّ .

- حزب الوحدة المغربيّة .

- حزب الإصلاح الوطنيّ .

- حزب الشورى والاستقلال .

- حزب الاستقلال .

وقد كتبنا لبقية الأحزاب الأخرى نطلب موافقتها النهائيّة على تكوين اللجنة والمصادقة على ميثاقها وتعيين مندوبيها في اللجنة بصفة رسميّة ، ومنذ الآن ستدخل قضيتنا في طور حاسم من تاريخها ، وسنواجه المغتصبين ونحن قوة متكتّلة تتكون من خمسة وعشرين مليوناً كلها مجمعة على كلمة واحدة ، وتسعى لغاية واحدة ، هي الاستقلال التام لكافة أقطار المغرب العربي .

وسنعمل على تحقيق هذه الغاية بكل الوسائل الممكنة في الداخل وفي الخارج كلما استطعنا إلى ذلك سبيلاً ، ولن يجد المستعمر بعد اليوم منفذاً لتثبيط عزائمنا وإيقاع الفتنة بيننا واستغلال تعدّد الأحزاب وتفرّق الكلمة لاستعبادنا وتثبيت أقدامه في بلادنا .

فنحن في أقطارنا الثلاثة نعتبر قضية واحدة ، ونواجه الاستعمار متحدين متساندين ، ولن يرضينا أي حل لا يحقق استقلالنا الناجز وسيادتنا التامة ، على أنّنا نأمل أن يعمل الفرنسيّون والإسبانيّون على إنصافنا دون أن يلجئونا إلى إراقة الدماء ، وأن يكونوا قد تيقنوا من تجاربهم السابقة من أن استنادهم إلى استخدام القوّة والبطش للاحتفاظ باستعمار أوطاننا وإسكات صوتنا عن المطالبة بالحرّية والاستقلال أصبح لا يجدي شيئاً ، وأن من الخير لهم أن يسارعوا إلى فك أغلالهم الاستعماريّة بطريق التفاهم بين الجانبين ، وتقدير مصالح الطرفين .

أما إذا تنكبوا هذا الطريق فسيكونون المسؤولين عن تغيير خطّتنا؛ لأنّنا لن نتأخر - إذا نحن يئسنا من استرجاع استقلالنا بطريق التفاهم والإقناع - عن استرجاعه بطريق التضحية وبذل النفوس . وإنني إذ أعلن عن تكوين (لجنة تحرير المغرب العربيّ) أتوجه إلى الشعوب المغربيّة بتحيتي راجياً من الله العلي القدير أن يوفقها في كفاحها ويقوي ثباتها ويديم اتحاد كلمتها .

كما أتوجه إلى الشعوب والدول العربيّة بالتحيّة والشكر على مناصرتها لقضية المغرب العربيّ ، ولا يخالجني شك في أنّها ستستقبل تكوين هذه اللجنة بالمؤازرة والتأييد والترحيب .

ويسرني في الختام أن أحيّي إخواننا مجاهدي فلسطين الشقيقة ، داعياً لهم بالفوز والنصر ، ومؤكداً لهم تضامن الأقطار المغربيّة معهم ، وعزمها على اتخاذ جميع الوسائل الممكنة للاشتراك في إنقاذ بلادهم والمحافظة على عروبتها ووحدتها .

بيان عبد الكريم الخطابيّ حول الوضعية الحاضرة في تونس حول الحكومة المشتركة الفرنسيّة - التونسية 1951م

إن الظروف الحرجة التي تجتازها قضايا المغرب العربي تجعل لزاماً علينا أن نبيّن بجلاء وحزم موقفنا من الحالة الراهنة في تونس . وهي الحالة التي نجمت عن اشتراك الحزب الدستوري التونسي الجديد في الوزارة القائمة ، وقبوله التفاوض مع الفرنسيّين بقصد إدخال بعض التغييرات على وضعية البلاد السياسية من شأنها - كما قيل - أن تؤدي بعد قطع عدة مراحل محدودة إلى الاستقلال الداخليّ .

ففي 17 أغسطس من السنة الماضية تألفت الوزارة الحاليّة في تونس من ستة من الوزراء التونسيّين وستة آخرين من الفرنسيّين . وشارك فيها الحزب الحر الدستوري التونسي الجديد بوزير واحد ، وكان مفهوماً عند الجميع - حسب البيانات الرسمية - أن الوزارة قامت على أساس الوضعيّة الاستعماريّة المفروضة على البلاد . وهذا ما أدخل الريبة في نفوس جميع الوطنيين لا في تونس وحدها بل في كافة أقطار المغرب العربيّ ، إذ أن المبادىء التي تقوم عليها الأحزاب الاستقلاليّة المغربيّة والمواثيق التي تربط بينها ، وميثاق لجنة تحرير المغرب العربيّ التي تنطوي تحت لوائها ، كلها تعتبر الأوضاع القائمة في أقطار المغرب أوضاعاً استعمارية لا يجوز الاشتراك في الحكم على أساسها . بل يعد نقضاً لمبدأ الاستقلال الذي تنادي به هذه الأحزاب ، هذا علاوة على ما تعهدت به الأحزاب المشتركة في اللجنة من عدم الدخول مع الفرنسيّين في مفاوضات تحقيق بعض الإصلاحات الجزئيّة نظراً لما بينته التجربة في الأقطار الثلاثة من أن كل إصلاح لا يمكن أن يكون سليماً إلا إذا كان موجّهاً من قبل الوطنيين أنفسهم ، وفي ظل حريّتهم واستقلالهم .

لهذا فإن اشتراك الحزب الدستوري الجديد في الوزارة قوبل في كافة الأقطار المغربيّة باستياء عام ، وعد نكسة إلى الوراء لا تتمشّى مع ميثاق ليلة القدر الذي أمضته الأحزاب التونسيّة في 23 أغسطس سنة 1946 ولا مع ميثاق لجنة تحرير المغرب العربي ، ولا مع الوعي القومي العام الذي أصبح يؤمن بأن الأوضاع المفروضة على بلاده أوضاع غير مشروعة وإن التخلص من ربقتها لا يتأتى عن طريق الاشتراك في الحكم على أساسها ، ولا بالمفاوضة في تغييرات جزئيّة لا تقوم على أساس الاعتراف بالاستقلال التام أولاً وقبل كل شيء . ومع هذا الاستياء الذي أحدثه اشتراك الحزب في الوزارة الاستعماريّة القائمة والبلبلة التي أدخلها على أفكار المواطنين جميعاً ، فإنا لم نرد أن نسارع إلى إعلان موقفنا منه ، بل فضلنا التريّث إلى أن تنجلي الحقائق بتمامها ، ونعرف بصفة خاصّة موقف ممثل الحزب في الوزارة من نتيجة المفاوضات المزعومة ، بالرغم من أن تأليف الوزارة على أساس الوضع القائم ، ومشاركة الفرنسيّين فيها كان وحده كافياً للحكم بأن المفاوضات التي ستقوم بها سوف لا تؤدي إلى أية نتيجة ترضى عنها المطامح القوميّة .

وتتابعت الشهور بعد ذلك "والوزارة التفاوضيّة" - كما أطلق عليها- لا تتقدم خطوة واحدة في سبيل تحقيق الأماني الوطنيّة إلى أن حل فبراير الماضي، فأعلن على الملأ أنّ الوزارة قد أمضت مع الفرنسيّين اتفاقاً يقضي بأن تكون الوزارة التونسيّة برئاسة وزير تونسيّ إلا في حالة الطوارىء فيتولى رئاستها المقيم العام الفرنسيّ ، على أن يكون تأليفها من ستة من الوزراء التونسيّين ، وستة من الوزراء الفرنسيّين .

كما يشتمل الاتفاق على إدخال تغييرات أخرى في الإدارة التونسيّة تتعلق بتحديد نسب الموظفين التونسيين والفرنسيّين بها ، وتوزيع اختصاصهم . هذا هو كل ما أسفرت عنه المفاوضات المزعومة بعد ثمانية أشهر من تأليف "الوزارة التفاوضيّة" فتبين بذلك للرأي العام أكثر من ذي قبل فشل التجربة التي انزلق إليها الحزب . وبات ينتظر من رجاله المساعدة إلى إنهائها ، والرجوع إلى الكفاح الصحيح لأجل تحقيق المبادىء الاستقلاليّة التي أقرّتها لجنة تحرير المغرب العربيّ ، وارتبطت بها كافة الأحزاب الاستقلاليّة ، ولكن الحزب بدلاً من أن يستجيب لرغبة الأمّة أخذ ينوه بهذا الاتفاق ، ويعتبره خطوة أولى تتبعها خطوات أخرى لتخليص "السيادة التونسيّة" في حين أنه يعتبر لطمة للأماني الوطنيّة ، لأنه يعترف للفرنسيّين بحق "المشاركة" في حكم تونس ، الأمر الذي يتنافى حتى مع معاهدة الحماية نفسها ، فكيف يسوّغ لحزب ينادي باستقلال البلاد أن يعترف للفرنسيّين بهذا الحقّ ، ويعتبره خطوة أولى لتخليص السيادة التونسيّة ؟.

لقد كشف هذا الاتفاق عن النوايا الحقيقيّة التي يكنّها الفرنسيّون من وراء "سياسة المراحل " التي يطلبون من الوطنيين قبول الاشتراك في الحكم على أساسها . فهي لا ترمي إلى تحقيق استقلال البلاد ، ولكن إلى تعويق هذا الاستقلال عن طريق تضليل الرأي العام بقبول الوطنيين المكافحين لكراسي الوزارة ، ورضاهم عن "إصلاحات" مدخولة يقومون بها ويخفون خطرها على مستقبل البلاد .

ومع ذلك فإن الحزب الدستوريّ التونسيّ الجديد لم يقم أي وزن لهذا الخطر، وظل مشتركاً في الوزارة القائمة ، ومتشبثاً بالاستمرار في "التجربة" التي أخفقت أكثر مما كان في صفوف الأمة المغربيّة ، كما عرض وحدة الشعب التونسي المكافح إلى التصدّع وتشتيت الجهود، وجعل الهيئات الوطنيّة تنصرف إلى التنابذ ، والتناحر فيما بينها في وقت هي أحوج ما تكون فيه إلى التكتّل ، وتوحيد الكلمة لمواجهة المعتدي الغاصب .

لهذا كله، فإنّنا نعلن استنكارنا لمشاركة الحزب الحر الدستوريّ التونسيّ الجديد في هذه التجربة ، ونعتبر هذه المشاركة إخلالاً بميثاق تحرير المغرب العربيّ ، واعترافاً بأوضاع لا نقرّها ، كما نعلن معارضتنا الشديدة لما أسفرت عنه هذه التجربة لمنافاته للأماني الوطنيّة ومساسه بجوهر السيادة التونسيّة التي يجب أن تكون من حق التونسيين وحدهم لا يشاركهم فيها غيرهم، وندعو الحزب إلى سحب ممثله فوراً من الوزارة والرجوع إلى ميدان الكفاح الصحيح على أساس المبادىء الاستقلاليّة التي أقرتها اللجنة ، وارتبطت بها الأحزاب في كافة أقطار المغرب العربيّ . كما إننا ننبه الحزب إلى أن استمراره في هذه التجربة سوف لا يقتصر خطره على تونس وحدها ، بل سيلحق القطرين الشقيقين : الجزائر ومراكش أيضاً ، وأنه الآن أمام مسؤولية كبرى هي مسؤولية المحافظة على كيان الحركة الاستقلاليّة في أقطار المغرب العربيّ كله ، وعدم تعريضها إلى التصدع والانهيار بسبب تحويل اتجاهها، والإخلال بمواثيقها ، وتعريض وحدة التضامن فيما بينها إلى التمزق والانحلال .

ويهمنا أن نؤكد أن لجنة تحرير المغرب العربيّ التي ينضوي تحت لوائها جميع الأحزاب الاستقلاليّة المغربيّة لا تتحمل أية مسؤوليّة في السياسة التي ينتهجها هذا الحزب ما دامت تخالف مبادىء ميثاقها ، كما نتبرأ من أي عمل يصدر عنه ما دام لا يرجع إليها لمعرفة رأيها مقدماً حسبما ينص عليه ميثاقها .

القاهرة 8 شوال سنة 1370 هـ

الموافق 12 يوليه سنة 1951م

التوقيع    :   عبد الكريم الخطابيّ /
رئيس لجنة تحرير المغرب العربي

 .

 
   
 
Ce site web a été créé gratuitement avec Ma-page.fr. Tu veux aussi ton propre site web ?
S'inscrire gratuitement